الجمعة، 24 يونيو 2011

سيناريو ليبيا مابعد الحرب

يفاجأ المرء إذ يعلم أخيرا أن بلاده كانت تتهيأ لتكون محور الاحداث في المنطقة منذ مدة طويلة  غير أن القائمون عليها لم يكونوافي الحقيقة سوي قائمون فيها فهم لم يكونوا بمستوي هذه الموقعة (وهي في الحقيقة واقعة) أو أن يهيء اهذا الشعب الطيب لشراسة المستقبل القريب.. 
سأجتهد سردا لأحداث سبقت هذه المحنة التي نعيشهاإضافة الي خصائص ميزت بلادنا أو ربما كانت نقمة عليها..

في شتاء 2009 وتحديدا في شهر يناير ، قامت روسيا بما اعتبر هجوما علي اوروبا ،، هجوم هدد مجمل الحضارة الاوربية بالسقوط وهو كابوس ظنت اوروبا انها لن تواجهه الا بعد عدة عقود ... لقد قطعت امدادات الغاز المارة عبر الاراضي الاوكرانية ... 
لكم أن تتصوروا نوع الرعب الذي عاشته المؤسسات الخدمية من شركات كهرباء ومصانع ومرافق .. فحجم الغاز المستورد من روسيا يغطي 40% من إستهلاك الطاقة في كامل اوروبا،، الاحتجاجات الرسمية بلغت أشدها والحديث عن حجم المخزون والمدة المتبقية عم معظم القنوات الإذاعية .. كانو يعرفون إنها مجرد مناورة من روسيا ،، ولكنهم يعلمون انها مثال بسيط لما يمكن أن يحدث لو لم يحسبوا للدب الروسي حساب المجاملات الذي يريد..

لم تتوقف روسيا عند هذا الحد بل بدأت في تسويق فكرة إنشاء ورعاية منظمة لمصدري الغاز كخطوة أولي في سبيل رفع أسعار الغاز العالمية علي غرار تجربة أوبك .. أوروبا من جهتها وضعت ضمن أي إتفاقات تجارية مستقبلية يمكن توقيعها مع روسيا نصوصا تلزم الروس بعدم إبتزازهم في هذا المجال ،، ولا يزال الجدال مستمرا.، 

العامل المستجد أو ربما ما كان الاوروبيون في إنتظاره ،، ولن أقول في صناعته ،، فهو في نظري اكبر من أن يصنع ،، ذلك الحدث الذي كان محصلة متوقعة لإحتقان أجيال ،، النتيجة البسيطة للألم المتراكم ،،  وهنا تقاطعت المصالح ،، نعم لدينا مصلحة في الحياة والعودة الي المسار الطبيعي للحياة .. بعيدا عن الشذوذ .. الشذوذ الذي مارسته فئة نكثث عهودها ،،  لصوص لا يملكون ميزة إلا حبهم لرائحة الدم،،، تقاطع ذلك مع مصالح اوروبا التي سترد،،

لقد انتفض السيد ساركوزي كمن لدغته أفعي لنجدة الشعب الليبي و إندفع بكامل رصيده السياسي الدولي والمحلي للعنة القذافي وكل من والاه ،، ديفيد كاميرون المحافظ والشديد التحفظ عن مغامرات الحروب ألقي خطبا يمكن أن تدرس في المناهج أمام مجلس العموم تتعلق بنجدة الضعيف ونصرة المسلمين المظلومين ... قطر ، إستنفرت كامل آلتها الإعلامية والسياسية لنصرتنا .. أكيد أن كل ذلك لم يكن كله تصرفا إنسانيا ولكن وكما المثل الذي نقوله في ليبيا (شوية من الحنة وشوية من رطابة اليدين ) لكن والحق يقال لقد تقاطعت مصالح شعبنا المقهور مع مصالح اوروبا أو ربما يجدر القول أن الظروف كانت في صالح الشعب الليبي..

الكثيرون يجادلون أن الموضوع ليس في النفط .. فالنفط كان منذ البداية يستخرج من قبل الغرب ويسوق لهم في ظروف مثالية من حيث السعر والتفاصيل ،، لكن هناك شيئين مطلوبين ،، شيئين يمكن أن ينقذا أوروبا (وأعني أوروبا حرفيا) حيث أن أمريكا أعلنتها صراحة أن ليبيا لا تمثل أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة .
هذان الشيئان هما ... أموال النفط (العوائد -  البترودولار وليس النفط بحد ذاته) وخاصة القادم منها مع إرتفاع سعر النفط ، حيث أثبت القذافي أنه فاشل في توظيفها سواء في الداخل أو في الخارج ،، فهو راكمها في حسابات بنكية لعدم ثقته في قدرة مؤسساته ورجاله ،، وأنا اوافقه في ذلك ،،، وزاد من فشله أنه بدأ في توجيهها الي الشركات التركية والصينية والروسية ، وهو في ذلك ينطبق عليه المثل ،، علي نفسها جنت براقش  .. فيما يخص تركيا جاء ذلك من خلال علاقات ومغامرات شخصية تربط إبنه سيف والحاشية المحيطة به ببعض رجال الأعمال الأتراك كشركة سوما ، فاتح طمنجة مشغل فندق ريكسوس ، رينيسانس ، غوريش (إبراهيم علي دبيبة)  حيث تزيد قيمة عقود هؤلاء الثلاثة لوحدهم عن خمسة مليارات دولار... 

عموما .. قلنا أن الشيء المطلوب الأول كان عوائد النفط وتوظيفها في عقود مقاولات لبناء ليبيا تخفف من ركود أوروبا وخاصة الاقتصادات الانتحارية في اسبانيا واليونان وبريطانيا،،، والعنصر الأخر هو وجود شريك مستقر يكون بعيدا عن المزايدات والمغامرات  ونظام إقتصادي واضح المعالم لا يشتق من البدع .

أما العنصر الرئيسي الذي أدي الي هذا التسارع السياسي فهو الأمر القديم الجديد .. الغاز الطبيعي ..

مع ورود المعلومات الاولية للحكومات الغربية عن حجم الاحتياطي الليبي المؤكد و المتوقع عقب الترسيات الاخيرة في مجال الاستكشاف ،، إتضح إن الاحتياطي الليبي من الغاز لن يقل عن 100 تريليون قدم مكعب من الغاز وهو ما يعني عمرا إفتراضيا لتصديره من ليبيا يتجاوز الثمانين سنة حتي مع مضاعفة معدلات التصدير الحالية .. ناهيك عن إحتياطيات نفطية تفوق عن ال 60 مليار برميل من النفط يمكن أن تجعل عمر الصناعة النفطية في ليبيا يتجاوز ال 75 سنة علما بأن المساحات المستكشفة في ليبيا لا تزيد عن ال 60% من مساحة ليبيا .

دعونا نتخيل هذا السيناريو . 

عقب سقوط القذافي مباشرة تباشر الحكومة القطرية بإعلان أنها ستقدم دعمها الكامل لإعادة إعمار ليبيا بدءا ببنغازي وتعلن أنها باشرت بشحن أساطيل من معدات المقاولات كمساعدات للدولة التي تنهض من جديد ...
في خطوات لاحقة تستعين ليبيا بقطر وشركاتها من أجل النهوض بصناعة الغاز في ليبيا جنبا الي جنب مع الشركات الفرنسية والالمانية والايطالية.
يتم الاعلان عن خطة شبيهة بخطة مارشال لإعادة إعمار ليبيا تكون قريبة من حيث الحجم لما تطرق له محمود جبريل مؤخرا وبما يقارب الخمسمائة مليار دولار ستجعل ليبيا جنة للمقاولات لشركات البنية التحتية اليونانية والاسبانية ... كما ستجعل الشركات الاستشارية الانجليزية تنسي الفقر الذي تعانيه الأن لعقود قادمة.
سيمتليء الشاطيء الليبي بكيلومتراته التي تربو عن الفي كيلومتر بالمنتجعات السياحية والاسكانية مما سيحرك عجلة القروض في المصارف متعددة الجنسيات وخاصة الانجليزية منها.
سيتم إعتماد نصوص شبيهة بالقانون التجاري الإماراتي فيما يخص الاقتصاد وتلغي الضرائب والجمارك ويعتمد نظام الكفيل.
مشاريع الطاقة الشمسية ستجد ضالتها في أكبر صحراء في العالم 
مشروع السكة الحديدية لقلب أفريقيا سيكون واقعا ويخفف الحاجة للنقل البحري حيث سيتم نقل المواد الخام والمنتجات الزراعية عبر قطارات سريعة تجعل المنتجات تصل طازجة لأوربا وتجعل من الموانيء الليبية بمستوي تلك في الشرق الاقصي والخليج العربي.
تصوروا حجم العمالة والخبرات والمؤسسات والشركات التي ستنتقل للعمل في ليبيا؟ 

ذلك كله غيض من فيض والأتي أعظم.

بمعني آخر سيتم خلق دبي أخري مع فارق أن ليبيا ستبني بأموالها وليس بأموال البنوك العالمية.

ما الذي يجعل هذا السيناريو مستحيلا  .. بل مالذي منع حصول هذا الشيء ... إنه الجهل والمساومات الفارغة التي تسعي لتمجيد الفرد وتهميش الشعوب..

في نظري  ... أري ان عصرا ذهبيا علي وشك الانطلاق في ليبيا .. وأري أنه قد تأخر ..

دعونا فقط أمل أنه سيكون عصرا تكافأ فيه الكفاءات لا التفاهات ،، ودعونا نأمل أن نستطيع المحافظة علي هويتنا الإسلامية وتقاليدنا لأنني أخشي أن البيئة الداخلية لليبيا بعد هذه الفترة من التجهيل هي أرض خصبة لأي نوع من البذور..

وليد الصيد

هناك 3 تعليقات:

  1. اخي وليد
    انا شخصيا ضد الانفتاح علي العالم.. لانريد راسمالية كونية, نريد اولا خلق راسمالية محلية.. لان الوضع الحالي لايخفي علي كل الليبيين.. لايوجد لدينا اغنياء او راسماليين.. مما سيجعل الليبيين يعملون شركات السيكيورتي وموظفين في احسن الاحوال وعمالة رخيصة في بلدنا.. سحقا للانفتاح وللشركات العابرة للقارات وكل الماركات العالمية السخيفة

    ردحذف
  2. أضغاث أحلام... مثل خطة مارشال التي وعدوا بها العراق. تعلم من التاريخ يا أخي

    ردحذف
  3. لعل اخر دعواك اصابت نعم فالامل ان يكون عصر كفاءات لا تفاهات و لكني ارى ان الليبين بهم من الوعي ما يصلح ان يكون اول بذر رقي و حضارة صحيح ان اعوام الطاغي الطويلة ولدت اجيالا من الجهل و الجهال لكني ارى بليبيا شباباً من امثالك بهم من الوعي و العزم ما يكفي لبناء ليبيا الحضارة و الرقي انما يلزم بعض التنظيم و حسن الخطاب و الله ولي التوفيق

    ردحذف