الأحد، 25 سبتمبر 2011

يُخرج الحي من الميت


تعرضتُ للتوبيخ من أكثر من شخص عربي عبر التويتر عندما إنتقدت بعض التجاذبات السياسية التي بدأت تنشأ في ليبيا وكانت في مجملها تظنني غير ليبي وأني أنتقد الولادة العسيرة والناجحة لليبيا من جديد ... ما يرونه أفضل ثورة و أشجع شعب بين العرب .
نعم .. ينظر العالم والعرب علي وجه الخصوص أن الآتي في ليبيا سيكون منهجا وطريقا لهم لنيل الديمقراطية والترف الإجتماعي ... هل نشعر بذلك في أنفسنا؟.

لا تنتقدوا اعتزازي ولكني اعتبر نفسي ليبياً وبالتالي واعيا لما أريد وما يدور حولي وقادرا علي تمييز الأحداث ،،
هذا الشعور أو النرجسية يصاب في مقتل هذه الايام بين التيارات الثلاث التي تتجاذبهذه الايام مستقبل ليبيا القريب ومستقبل اطفالي .. فما بين دعاة الليبيرالية الذين ينمقون الكلام ويبسطونه بشعار الدولة المدنية والذين غاب عنهم أن سياسة القذافي المنتهية جعلت 95٪ من الليبيين لا يستطيعون تعريف أو تبيان معني الليبرالية ،، هذه الكلمة اللاتينية التي لا تتفق مع مجتمعنا لغويا ..  ربما هم يريدون ابهار السامعين من الليبيين  أنهم مميزون لفقههم باللاتينية وبالتالي تركهم لإدارة دفة سفينة ليبيا وسط أمواج الثقافة الغربية التي تثبت فشلها يوميا في صناعة الإقتصاد والإجتماع . وبين التيارين الإسلاميين الرئيسيين الآخرين (الإخوان المسلمين والسلفيين) الذين يتدافعان لإقناع أمريكا بجدوي قيادتهم لمجتمعات المسلمين والعرب علي وجه الخصوص.
كنت من أشد منتقدي الملكية التي حكمت ليبيا عبر سنين عمري المُنتِج والذي لا يمتد لأكثر من عشرين عاما منذ مفارقتي للمراهقة ،،، ولكنني بدأت أشعر بفداحة خطأي .. لم أكن في الحقيقة إلا معارضا للبرجوازية النفعية التي أحاطت بالملك،، نعم كانت تلك البرجوازية التي إنبثقت من العائلات التي رافقت السنوسي الكبير أثناء حجه من مستغانم الي مكة المكرمة وعبر تونس التي جلب منها الكثير من المُريدين والذين لم يألوا جهدا في إثبات مقدرتهم علي حيازة الأعمال والتجارة والوكالات .. قد أشير أيضا الي بقايا الإنكشارية في الغرب الليبي الذين يرون في أنفسهم ورثة القرمانلية والباب العالي في حيازة الأطيان والألقاب وبالتالي الإمتيازات .. لكم في طاطاناكي والخوجة وسفراكس وباكير والسوسي خير دليل ... وإن كنت سيدي القارىء مشككا في كلامي فتقدم لخِطبة إحدي بناتهم ودعنا نري إن قبِلوا بك نسيبا.

صرت موقنا (وأنا المعارض للملكية) بأن ألطاف الله أتت بالسنوسية الصوفية حاكما وموحدا لهذا البلد ، رغم أن الملك أنذاك غُصب إعلاميا علي قبول طرابلس وفزان  ضمن مملكته.. الملكية التي جربت وتفاعلت مع تشنجات البسطاء الليبيين ،، القبلية والمناطقية والسياسية من خلال لا ديمقراطية الملك في طرد أي رئيس وزراء متي أراد.

لقد إستثمر طاغية الزمان وجبان العصر (لازلت مصرا علي قولي بأنه سيبكي كالمراهق لو قبض عليه حيا فهو لم يواجه قتالا مباشرا طيلة حياته) .. خبير الأنفاق وتلميذ النفاق.. معمر القذافي .. إستثمر في تجهيل المجتمع الليبي ليكون أرضا خصبة لأي دسائس وفتن قد يحتاجها إذا ما إجتاحه الوعي الشعبي الذي كان في الموعد .. وعي الشعب الفجائي الذي فاجأ حتي من يقوم به ... لقد صنع الشعب الفارق وكان القذافي هو المفارق.. فارق واقعا صُنع له عبر تقاطع مصالح غربي في ليبيا.

ما دعاني للكتابة في هذا الوقت المتأخر من الليل هو هاجسي من أن كل فرد ليبي يمكن أن يكون خبرٌ رئيسي في أي نشرة إخبارية فضائية... كل فرد فينا يري في نفسه صاحب مشروعٌ سليم لبناء الدولة ... كل فرد فينا ساهم في هذا النجاح ... هذا النجاح الذي صرنا نري قدرتنا علي إعادة تحقيقه لو عاد بنا التاريخ.. جميع الليبيين طردوا القذافي و أسرته ويرون انهم أهل لطرده حتي لو تكرر التاريخ ... القذافي طاغية زمانه .. فما بالكم بمن يظن نفسه قادرا علي فرض رأيه علينا هذه الأيام وعهده بالطغيان قصير..

أري وجوها هذه الأيام تنسب لنفسها هذا النجاح وتري في فلسفتها ودعواها أهلا لنيل الجائزة .. ويتناسون أن هذه الجائزة تكفي الجميع ،، يتناسون أنهم بهذا التصرف يفتحون المجال لدول وحكومات أخري ليجدوا لأنفسهم منفذا لمشاركتنا هذه الجائزة التي صنعت بدماء من لم يذق طعمها ونحسبهم عند الله من أصحاب الجوائز الأعظم.
كلامي لمن يجعل من الإسلام حكرا عليه وتجارته الرائجة... الإسلام بجميع مدارسه .. يظنون أنهم في بلاد وثنية يدعون اهلها للهداية 
كلامي  لمن يظن أن علوم وثقافة الغرب هي المنقذ ويتناسون إننا في العصر الذي تأكد فيه فشل أوروبا وأمريكا  إقتصاديا وحتي إجتماعيا 
كلامي لأمثالي الذين لا يعرفون ما يصلح بنا ،، أو ربما ما يصلح للبشرية جمعاء .. في العصر الذي يبحث فيه الجميع عن إقتصاد يصلح للمستقبل.

أقول لليبيين ،، أهلي وسندي وعزوتي ومفخرتي  .. نحن حالة خاصة .. حالة تستوجب التقوي .. وإحترام من ضحي لصناعة حلم ... إتقوا الله فينا وفيكم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق